السياسة الخارجية: حالة ألمانية الداخلية – فوز وزارة بروننغ الجديدة

أشرنا في عدد سابق إلى سقوط وزارة بروننغ الأولى بعد أن استعفى منها السيد كورتيوس وزير خارجيتها وقلنا حينئذٍ إنّ وجود بروننغ على رأس الوزارة يكفل تمثيلها على السياسة التي اختط طريقها السياسي الألماني المتوفى السيد شتريزمن. وذكرنا موقف أحزاب اليمين من الوزارة الجديدة التي ألَّفها بروننغ.

ولقد تقدمت الوزارة الجديدة ببرنامجها إلى البرلمان وحازت على الأكثرية التي تمكِّنها من البقاء. ولكن العالم الخارجي نظر إلى هذه الأكثرية بعين الشك والقلق لأنها أكثرية ضئيلة لا تكفي لتثبيت مركز الوزارة طويلاً.

مع ذلك فالخطر الذي يخشاه العالم الخارجي ليس قريباً جداً وإن يكن غير بعيد فالبرلمان قد تأجل إلى شهر فبراير/شباط من السنة القادمة.

تقف ألمانية في هذه الفترة، التي تأمن فيها الحكومة الحاضرة على سلامتها، بين عاملين بلغا الآن حد التوازن، وفريقين لم يبقَ سبيل إلى التوفيق بينهما، والمسألة التي تقلق بال العالم الآن ليست مسألة الأشخاص الذين يؤلفون الوزارة، بل مسألة المعركة الداخلية الحامية بين الفريقين المشار إليهما.

وقد رأينا أن نلقي الآن نظرة إجمالية على حقيقة الأحزاب الألمانية لكي نسهّل للقارىء فهم الحقيقة المتقدمة.

فالأحزاب الألمانية تختلف في مناهجها عن الأحزاب الفرنسية، وطريقة الانتخابات في ألمانية تختلف عن طريقة الانتخابات في فرنسة وغيرها من الدول الأوروبية.

وكيفية هذا الاختلاف هي في عدم أهمية الأشخاص والأسماء، وإذا كان المطالع يسمع كثيراً بذكر هتلر وهوغنبرغ فذلك لأن هذين الشخصين زعيما حزبين قويين.

الأحزاب الألمانية منظمة تنظيماً يجعل الشعب لا يهتم كثيراً للأشخاص، فالانتخابات تجري في ألمانية بعرض قوائم مرشحي كل حزب على حدة، والمصوِّت الألماني يصوِّت للأحزاب وقوائمها لا للأشخاص السياسيين، وإذا كان بعض المصوِّتين يفضلون بعض مرشحي الحزب على البعض الآخر فلهم أن يعربوا عن رغائبهم في المفاضلة بين المرشحين الذين يعرضهم الحزب.

هذا من جهة الترشيح والتصويت. أما من جهة النواب والوزراء فكل منهم يجب أن يكون خاضعاً لحزبه كل الخضوع، فلا يأتي عملاً ما إلا إذا كان متفقاً مع برنامج الحزب الذي ينتمي إليه، أو كان مما حصل على موافقة الحزب عليه.

وقد كانت الأحزاب الألمانية مقسومة إلى ثلاث فرق: يسرى ويمنى ووسطى، ولكن الحالة الحاضرة، التي قلّما رأى الشعب الألماني مثيلاً لها في السوء، قضت بإزالة الفرقة الوسطى المستقلة وانقسام الأمة بين فريقي الميمنة والميسرة، والفريق الثاني هو الذي تعتمد عليه وزارة بروننغ الحالية وخطته اتباع سياسة شتريزمن.

أما فريق الميمنة فهو الفريق الثوري الناقم على الوضع الحاضر والنظام البرلماني القائل بوجوب إيجاد إرادة قوية تفتح طريقاً جديداً للأمة الألمانية، وهو من هذه الوجهة يقول بالفاشستية والدكتاتورية.

وتقول جرائد هذا الفريق إنّ وجود الحكومة الحاضرة بالاعتماد على فريق اليسار ليس إلا إلى حين، وإنه إذا كانت أكثرية البرلمان الحالي تؤيد وزارة بروننغ الثانية، فإن فريق اليمين سينصرف إلى تحقيق مطالبه خارج المجلس.

إذا تم لفريق اليمين ما يريد فإن القضاء على سياسة المؤتمرات والمساومات يصبح أمراً أكيداً، ويكون مصير التفاهم والتعاون بين فرنسة وألمانية إلى الفشل، إلا إذا قبل الفرنسيون بتغيير موقفهم من ألمانية تغييراً جوهرياً يتناول التعويضات ومسؤولية الحرب.

ومما يجدر بنا ذكره هنا أنّ من الأسباب الرئيسية التي استند إليها الحلفاء في وضع الغرامة الباهظة على ألمانية ادعاؤهم أنّ ألمانية المسببة الرئيسية للحرب.

وفرنسة لا تريد أن تتنازل عن هذا الادعاء مهما كلفها الأمر. كما أنها لا ترضى بإحداث إنقاص كبير في التعويضات، لأن إنقاص التعويضات الألمانية إنقاصاً كبيراً قد يؤدي إلى زعزعة مركز فرنسة المالي نظراً لما عليها من الديون للولايات المتحدة. وهي لهذا السبب عينه لا تقبل بفصل قضية ديون الحرب عن قضية التعويضات.

المرجح أن يظل السلام السياسي الداخلي سائداً في ألمانية إلى فبراير/شباط ــــ وإلى فبراير/شباط فقط.

ولا يدري أحد ما يكون بعد ذلك، لأننا الآن في عصر مفاجآت وانفجارات.

أنطون سعاده
اليوم، دمشق  
العدد 67/15، 29/10/1931

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى