السياسة الخارجية: المؤتمر البلقاني الثاني

نحن الآن أمام مؤتمر من أهم المؤتمرات السياسية في العالم. فإن البلقان كان ولا يزال بركاناً يغلي بالاضطرابات والدسائس والمشاحنات التي لا يدري أحد متى تثور على العالم ناراً كبريتية ملتهبة.

إنّ عداوات الدول البلقانية كانت ولا تزال كامنة راقدة في حضن أوروبة كمون النار تحت الرماد. ولم تكن هذه النار تحرق في كل ساعة. بل كانت بعض الدول الأوروبية الكبرى تنفخ بها وتهيجها على الإحراق.

والظاهر أنّ الدول البلقانية قد اقتنعت بوجوب تفاهمها وإيجاد خطة ناضجة لتسوية اختلافاتها وعلاج ناجع لأدوائها. ولكن هل تترك الدول الأوروبية الكبرى البلقان يتفاهم ويزيل أسباب القلاقل والحروب؟

هذا سؤال يصعب الآن الجزم بجوابه ونحن لا نحاول إعطاء جواب عليه بل نترك ذلك لفرصة أخرى، وننتقل الآن إلى إلقاء نظرة عامة على العوامل الخارجية الكبرى التي تؤثر في وضع البلقان السياسي وعلى الروح التي ستسود نظريات بعض الدول في المؤتمر البلقاني الثاني في الأستانة.

بعد اندحار الدول الوسطى في الحرب العالمية أصبحت إيطالية الدولة الأوروبية الكبيرة الأولى التي لها علاقة مباشرة بالبلقان. ومنذ ذلك الحين عُنيَت السياسة الإيطالية الخارجية عناية خاصة ببسط نفوذها عليه واتخاذ مراكز منيعة كافية، فكان لها في ألبانية بعض ما تريد.

ولقد تضاربت مصالحها البلقانية ومصالح يوغوسلافية التي أيّدتها فرنسة وعقدت معها اتفاقاً عظيم الأهمية نكاية بإيطالية وتهديداً لها.

ونرى من الجهة الأخرى روسية، وبريطانية تظهر مزاحمتها ومضاربتها فيها، فتكّون عداوة هاتين الدولتين لا تسمح بترك البلقان ساحة محايدة، لأنهما تجدان فيه أرضاً خصبة لإثارة النزاع والقلاقل التي تفيد روسية البلشفية فائدة كبيرة. فروسية تعتمد في البلقان على العنصر السلافي ولها فيه دعاية شيوعية واسعة النطاق، ولبريطانية مقابل ذلك نفوذ سياسي اقتصادي عظيم.

لا ندري حتى الساعة شأن المسائل التي سيبحث فيها المؤتمر البلقاني الثاني. وهل هي تتناول مسألة إيجاد حل حقيقي للمسائل التي يستثمرها ذوو المآرب لغير مصلحة البلقان، أم أنها تقتصر على قتل الوقت بالخطب العقيمة والقيام بمناورات يكون ظاهرها سلماً وباطنها حرباً؟ وسنعود إلى هذا البحث قريباً.

أنطون سعاده
اليوم، دمشق 
العدد 60/8، 21/10/1931

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى